حصاد عام 2025.. مسار أسعار الفائدة في أكبر البنوك المركزية العالمية
لم يكن عام 2025 عامًا عاديًا للسياسة النقدية العالمية بل مرحلة دقيقة أعادت فيها البنوك المركزية رسم أولوياتها في محاولة شاقة لتحقيق التوازن بين كبح التضخم ودعم النمو وسط عالم مضطرب.
وشهد عام 2025 نقطة تحوّل حاسمة في السياسة النقدية العالمية، بعدما انتقلت كبرى البنوك المركزية من مرحلة التشديد النقدي الحاد إلى إدارة الهبوط السلس للفائدة، في محاولة لتحقيق توازن دقيق بين كبح التضخم والحفاظ على النمو الاقتصادي.
وتصدّرت المشهد أربعة بنوك مركزية كبرى هي: الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك إنجلترا، وبنك اليابان الذي سبح عكس التيار نحو التطبيع ورفع أسعار الفائدة لأول مرة منذ نحو عقدين.
مسار أسعار الفائدة في أكبر البنوك المركزية
ويمكن وصف المشهد بأنه عام الأضداد في أكبر 4 بنوك مركزية عالمية، حيث بدأ الفيدرالي الأمريكي العام بالتثبيت في النصف الأول ثم الخفض خلال النصف الثاني من العام، فيما سبح المركزي الأوروبي عكس التيار فبدأ العام بأربعة تخفيضات متتالية، ثم قرر أن يثبت الفائدة حتى نهاية العام، أما بنك إنجلترا فكانت قراراته متذبذبة بين الرفع والتثبيت، وبنك اليابان فجّر المفاجأة بإعلانه التطبيع وبدء رفع سعر الفائدة والتخلي عن سياسة التيسير النقدي لأول مرة منذ أكثر من 15 عاماً، فبدأ العام برفع واختتمه برفع آخر لسعر الفائدة، الأمر الذي سمع صداه في وول ستريت حيث تحول المستثمرون من شراء المشتقات المالية عالية المخاطر إلى السندات اليابانية، وبدأت تتراجع ممارسات الأموال المحمولة (Carry Trade) وهي استراتيجية مالية تعتمد على اقتراض عملة بفائدة منخفضة مثل الين الياباني واستثمار الأموال المقترضة في عملة أخرى أو أصل يقدم عائداً أعلى مثل السندات والأسهم الأمريكية.
رحلة الفيدرالي الأمريكي مع الفائدة
بدأ الفيدرالي الأمريكي عام 2025 بسياسة التثبيت الحذر، محافظاً على نطاق الفائدة المرتفع عند 4.25%–4.50% خلال النصف الأول من العام، وسط بيانات متباينة للتضخم وسوق العمل، لكن مع تباطؤ الضغوط السعرية وتراجع زخم النمو، اتجه البنك في النصف الثاني إلى سلسلة خفض تدريجية شملت 3 تخفيضات متتالية خلال سبتمبر تم خفض 25 نقطة أساس لتصبح الفائدة 4 – 4.25%، أكتوبر خفض الفيدرالي الفائدة 25 نقطة إضافية فأصبحت 4% – 3.75%، وديسمبر أنهى الفيدرالي الأمريكي بها العام عند مستوى 3.50% – 3.75%.
هذا التحول عكس رغبة واشنطن في تجنب ركود اقتصادي متأخر، مع الإبقاء على سياسة نقدية تقييدية نسبياً مقارنة بالسنوات السابقة، حيث اضطر جيروم باول رئيس الفيدرالي الأمريكي إلى خفض الفائدة على حساب التضخم الذي لم يصل إلى المستهدف البالغ 2%، واستقر عند مستوى 2.7% خلال نوفمبر.
المركزي الأوروبي.. عام الخفض المنتظم
على النقيض من الفيدرالي الأمريكي ، كان 2025 عاماً واضح المعالم بالنسبة للمركزي الأوروبي، فقد أطلق البنك دورة خفض متتالية منذ بداية العام، خفّض خلالها سعر الإيداع أربع مرات متتالية من 2.75% إلى 2.00% بحلول يونيو.
وبعد هذا المسار السريع، فضّل البنك التثبيت في النصف الثاني من العام، مراقباً تباطؤ التضخم وضعف النمو في منطقة اليورو، خصوصاً في الاقتصادات الصناعية الكبرى، سياسة فرانكفورت عكست قلقاً متزايداً من الركود أكثر من القلق من التضخم.
بنك إنجلترا.. مسار متذبذب وحذر
اتسمت سياسة بنك إنجلترا خلال 2025 بالتذبذب المدروس، فقد بدأ العام بخفض مبكر للفائدة في فبراير، ثم تبعه بمزيج من التثبيت والخفض المتقطع على مدار العام، لينهي 2025 عند 3.75%.
وبالنظر إلى التسلسل الزمني لدورة حياة الفائدة في بريطانيا خلال عام 2025، نجد أنها كانت في فبراير 4.5%، وظلت ثابتة خلال مارس ، ثم تم تخفيضها 25 نقطة أساس خلال مايو إلى 4.25%، وفي يونيو تم تثبيتها، ليعود بنك إنجلترا ويخفض الفائدة 25 نقطة أساس خلال أغسطس لتصبح 4%، ثم يثبتها على مدار شهري سبتمبر ، ونوفمبر ، ليختتم العام بخفض 25 نقطة أساس لتصبح الفائدة 3.75% خلال ديسمبر 2025.
هذا النهج عكس التحديات المزدوجة للاقتصاد البريطاني: تضخم لا يزال أعلى من المستهدف، ونمو ضعيف تحت ضغط تكاليف المعيشة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
بنك اليابان.. خروج تاريخي
كان 2025 عاماً تاريخياً لليابان، فبعد عقود من السياسة النقدية فائقة التيسير، واصل بنك اليابان مسار التطبيع الذي بدأه سابقاً، ورفع البنك الفائدة في يناير بواقع 25 نقطة أساس لتصل إلى 0.50%، ثم ثبت سعر الفائدة على مدار العام حتى أنهى العام برفع إضافي لنحو 0.75% في ديسمبر.
ورغم تواضع الأرقام مقارنة بالغرب، فإن هذه الخطوات حملت أهمية رمزية كبيرة، مؤكدة أن اليابان بدأت فعلياً طي صفحة أسعار الفائدة السالبة والسياسات غير التقليدية.
وكان التضخم السنوي في اليابان قد شهد ارتفاعات طفيفة خلال عام 2025، حيث وصل إلى نحو 3% في أكتوبر – نوفمبر قبل أن يتراجع قليلًا بحلول نهاية العام.
رغم أن هذا الرقم يبدو معتدلاً مقارنة بالغرب، فإنه يمثل ارتفاعًا مهمًا في السياق الياباني، الذي عانى عقوداً من التضخم المنخفض أو السلبي.
وقد أتاح هذا الظرف لبنك اليابان المضي قدمًا في رفع معدلات الفائدة إلى نحو 0.75% بحلول ديسمبر، في خطوة تمثل تغييراً ملموساً في السياسة النقدية بعد سنوات من التيسير.







