مصر وأفريكسيم بنك.. إعادة رسم خريطة التجارة الأفريقية من قلب العاصمة الجديدة
لم تعد الشراكات المالية متعددة الأطراف مجرد أدوات تمويل تقليدية، بل تحولت إلى أذرع استراتيجية لإعادة تشكيل موازين القوة الاقتصادية إقليميًا وقاريًا وفي هذا السياق، تبرز العلاقة بين مصر والبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد أفريكسيم بنك كنموذج متقدم لشراكة تتجاوز حدود التمويل لتصل إلى صياغة رؤية متكاملة للتكامل التجاري والتنموي في أفريقيا.
مركز التجارة الأفريقي من مبنى مؤسسي إلى منصة قارية
إن إنشاء مركز التجارة الأفريقي التابع لأفريكسيم بنك في العاصمة الإدارية الجديدة لا يمثل إضافة عمرانية أو مؤسسية بقدر ما يعكس تحولًا نوعيًا في البنية التحتية للتجارة الأفريقية فالمركز يُنتظر أن يكون منصة معرفية وتمويلية وتنظيمية، تسهم في سد فجوات المعلومات، وتطوير القدرات، وربط الفاعلين الاقتصاديين عبر القارة، بما يعزز كفاءة التجارة البينية ويخفض تكاليف النفاذ إلى الأسواق.
اما من الناحية الاقتصادية يمثل هذا التحرك استجابة عملية للتحدي المزمن الذي واجه أفريقيا لعقود، والمتمثل في ضعف الترابط بين اقتصاداتها، واعتمادها المفرط على تصدير المواد الخام، بدلًا من تعميق التصنيع وتطوير سلاسل القيمة الإقليمية.
التكامل القاري ضرورة اقتصادية لا خيار سياسي
يكتسب التكامل الاقتصادي الأفريقي اليوم أهمية استثنائية في ظل التغيرات الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد العالمي، من إعادة توطين سلاسل الإمداد، إلى تصاعد النزعة الحمائية، واشتداد المنافسة على الموارد والأسواق ومن هذا المنطلق، فإن الدفع نحو سوق أفريقية موحدة يتيح تحقيق وفورات الحجم، وتحفيز التصنيع، وتعزيز القدرة التفاوضية الجماعية للقارة على الساحة الدولية.
ويعد مركز التجارة الأفريقي أداة تنفيذية داعمة لهذا المسار، إذ يوفر البنية المؤسسية اللازمة لتحويل اتفاقية التجارة الحرة القارية من إطار قانوني إلى واقع اقتصادي ملموس.
مصر كمحور ربط إقليمي وقاري
اختيار العاصمة الإدارية الجديدة مقرا لهذا المركز يعكس إدراكا متزايدا للدور الجغرافي والاقتصادي لمصر كنقطة التقاء بين أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا فمصر لا تقدم موقعا جغرافيا فحسب، بل منظومة متكاملة تشمل بنية تحتية حديثة، وموانئ محورية، ومنطقة اقتصادية لقناة السويس، وقدرات صناعية وتصديرية متنامية.
و هذا الدور المحوري يمنح الاقتصاد المصري فرصة لتعظيم الاستفادة من الأسواق الأفريقية الواعدة، سواء عبر زيادة الصادرات، أو توسيع استثمارات الشركات المصرية في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة والبنية التحتية والاتصالات والتصنيع.
أفريكسيم بنك شريك تنموي في أوقات الأزمات
تكشف الشراكة الممتدة بين مصر وأفريكسيم بنك عن نموذج مختلف للدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات المالية القارية ، فقد أسهم البنك في دعم الأولويات الوطنية المصرية خلال مراحل بالغة التعقيد، من برامج الإصلاح الاقتصادي، إلى تداعيات جائحة كوفيد-19، وصولا إلى الصدمات الجيوسياسية العالمية.
ويمتد هذا الدور ليشمل تمويل مشروعات صناعية كبرى، ودعم تجارة الطاقة، والمشاركة في مشروعات عابرة للحدود، فضلا عن مساهمته في تعزيز الأمن الصحي والغذائي، وهو ما يرسخ مفهوم التمويل المرتبط بالتنمية الشاملة لا التمويل قصير الأجل.
الانتقال من انماط التجارة التقليدية إلى التنمية المستدامة
يمثل مركز التجارة الأفريقي حلقة وصل بين التجارة والاستثمار والتنمية المستدامة ، فمن خلال دعم التصنيع الزراعي، وتطوير سلاسل القيمة الغذائية، وتعزيز الإنتاج المحلي، يسهم المركز في مواجهة تحديات الفقر والبطالة، وخلق فرص عمل مستدامة، خاصة للشباب، بما يتسق مع أهداف التنمية في القارة.
كما يعزز هذا التوجه قدرة أفريقيا على الانتقال من موقع المتلقي للتقلبات العالمية إلى فاعل مؤثر في الاقتصاد الدولي.
نهاية فإن تعميق الشراكة بين مصر وأفريكسيم بنك، وتدشين مركز التجارة الأفريقي في العاصمة الجديدة، يعكسان تحولًا استراتيجيًا في الرؤية الاقتصادية، يقوم على توظيف التمويل القاري كأداة للتكامل والنمو طويل الأجل فالمبادرة لا تعزز مكانة مصر كبوابة للتجارة والاستثمار الأفريقي فحسب، بل تضعها في قلب مشروع اقتصادي قاري يسعى إلى إعادة تعريف موقع أفريقيا في النظام الاقتصادي العالمي و في ظل التحديات الدولية الراهنة، تبدو هذه الخطوة بمثابة استثمار استراتيجي في مستقبل أكثر تكاملا واستدامة للاقتصادين المصري والأفريقي على حد سواء.







