كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في تجربة العملاء المصرفية بالبنوك؟

يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل الخدمات المصرفية من التخصيص المفرط إلى كشف الاحتيال، مُحدثًا نقلة نوعية في خدمة العملاء وتجربة الخدمات المصرفية الرقمية.
وقد تحوّل الذكاء الاصطناعي من وعدٍ إلى أولوية في القطاع المصرفي العالمي، ففي العام الماضي، ارتقت العديد من البنوك الكبرى بالذكاء الاصطناعي إلى ركيزة أساسية في خططها الاستراتيجية، ممهدةً الطريق لموجة جديدة من التغيير السريع في هذا القطاع.
وما بدأ كتجارب استكشافية في مختبرات الابتكار، تطور سريعًا إلى تطبيقات ملموسة تُعيد تشكيل كيفية عمل البنوك، وتفاعلها مع العملاء، وتقديمها للقيمة. ومع سعي المؤسسات المالية إلى التعامل مع توقعات العملاء المتزايدة التعقيد، والأطر التنظيمية، والتسارع التكنولوجي، يبرز دور الذكاء الاصطناعي المُولّد.
ولكن ماذا يعني هذا عمليًا؟ في فبراير 2025، على سبيل المثال، كشف بنك كايكسا – أكبر بنك محلي في إسبانيا – عن “كوزموس”، وهي خارطة طريق شاملة للتكنولوجيا والعمليات بقيمة 5 مليارات يورو، تُشكل الركيزة الأساسية لخطط البنك الاستراتيجية للفترة 2025-2027.
وتتجلى هذه الرؤية الاستراتيجية بوضوح في تطبيق CaixaBankNow، التطبيق الرائد للبنك، والذي يضم أكثر من 12.4 مليون عميل رقمي. يتضمن التطبيق خاصية InvisibleSign لتسجيل الدخول الآمن باستخدام المقاييس الحيوية، والتصفح المشترك للدعم الفوري، ووكيل ذكاء اصطناعي تم الإعلان عنه مؤخرًا لمساعدة المستخدمين على تصفح عروض المنتجات المعقدة باستخدام لغة طبيعية. بالاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي من Google Cloud، يستطيع الوكيل الإجابة على أسئلة المنتج، ومقارنة الخيارات المتاحة، وتقديم الخيار الأنسب للمستخدمين.
استخدام الذكاء الاصطناعي في الخدمات المصرفية
يتجه استخدام الذكاء الاصطناعي، على نطاق أوسع، في الخدمات المصرفية نحو إعادة تعريف تجربة العملاء. يطلب مستخدمو الخدمات المصرفية الرقمية اليوم أكثر من مجرد وظائف: فهم يتوقعون التخصيص والسرعة والانسيابية. ويُمكّن الذكاء الاصطناعي التوليدي المؤسسات المالية من إعادة النظر في كيفية تقديم خدماتها عبر القنوات، من خلال الجمع بين الذكاء والتعاطف على نطاق واسع.
ولتحويل تجربة العميل من نموذج تفاعلي واحد يناسب الجميع إلى علاقة استباقية وشخصية للغاية ومتعددة القنوات، تعمل البنوك على تطوير مجموعة متزايدة باستمرار من الأدوات المتطورة القائمة على البيانات لجذب المستخدمين والاحتفاظ بهم.
وقد كشفت دراسة عالمية أجرتها شركة Personetics أن “74% من العملاء سيكونون أكثر ولاءً لبنوكهم إذا قدموا نصائح ورؤى شخصية مصممة خصيصًا لعاداتهم في الإنفاق والادخار”، مما يؤكد الرغبة القوية في الملاءمة والاستجابة.
دمج الذكاء الاصطناعي داخليًا في البنوك
لكن الأمر لا يقتصر على العملاء فقط. فمن جانب الموظفين، تنشر البنوك أدوات معرفية داخليًا تساعد في تلخيص المستندات والاستفسارات الداخلية واسترجاع المعلومات في الوقت الفعلي، مما يساعد على تقليل الاحتكاك وتحسين جودة استجابة العملاء. في مراكز الاتصال، تُستخدم نماذج توليدية للمساعدة في تصنيف المطالبات والرد عليها، مما يعزز السرعة والدقة.
ومن أحدث تطبيقات الذكاء الاصطناعي المُولِّد تطبيقُ مساعد دعم التعاقد عن بُعد من CaixaBank، المُصمَّم لمساعدة المدراء والعملاء على تقليل أوقات التفاعل وتعزيز التعاقد على المنتجات عبر القنوات الرقمية. تدعم هذه الأداة، المُطوَّرة بالتعاون مع Salesforce، فريقًا يضم أكثر من 300 موظف يُرشدون العملاء في التعاقد على المنتجات عبر الإنترنت وعبر تطبيقاتهم المحمولة.
وتتراوح حالات استخدام الذكاء الاصطناعي الأخرى بين كشف الاحتيال والأمن السيبراني – حيث تُظهر الأبحاث أن 60% من البنوك تستخدم الذكاء الاصطناعي لمنع الاحتيال – ومساعدة المطورين في البرمجة. ويُعَدُّ هذا الأخير مثالًا جيدًا على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي ليس فقط لتطوير تجربة العملاء، بل كأداة أساسية مُدمجة في البنية التشغيلية الأساسية للبنوك لتعزيز الكفاءة وخفض التكاليف وتحسين العمليات الداخلية.
الثقة والأمان ومستقبل الخدمات المصرفية الرقمية
لا يمكن تحقيق أيٍّ من هذا دون استثمار مستدام في أمن وحوكمة الأنظمة والعمليات المدعومة بالذكاء الاصطناعي. تبقى الثقة والأمان جوهر التجربة المصرفية، ويجب على الذكاء الاصطناعي تعزيزها لا تقويضها. في جميع أنحاء القطاع، تعمل البنوك مع متخصصين في الأمن ومنع الاحتيال لتعزيز هذه الوظائف التقليدية باستخدام الذكاء الاصطناعي. كما أنها تعمل على تطوير أطر أخلاقية وحوكمة لضمان عدالة تطبيقات الذكاء الاصطناعي وشفافيتها وامتثالها للأنظمة.
ومن خلال دمج التطور التكنولوجي مع الذكاء العاطفي، يمكن للبنوك بناء روابط أقوى مع العملاء، مع توفير ليس فقط أدوات أذكى، بل تجارب أفضل أيضًا. وبذلك، تنتقل من كونها مقدم خدمات إلى كونها شريكًا رقميًا موثوقًا به.
وختامًا، لم تعد ثورة الذكاء الاصطناعي في القطاع المصرفي نظرية. إنها تحدث، والفارق الحقيقي الآن ليس فيمن يتبناها أولًا، بل في من يُحييها على أرض الواقع بمسئولية وعلى نطاق واسع.