د.شيماء وجيه تكتب: الاحتياطي النقدي الأجنبي في مصر .. شهادة ثقة جديدة للاقتصاد المصري
يشكل الارتفاع التاريخي في حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري علامة فارقة في مسار الاقتصاد الوطني،ليس فقط من حيث القيمة الرقمية التي سجلها ، بل لما يعكسه من تحول حقيقي في توازن الاقتصاد الكلي وقدرته على امتصاص الصدمات وإدارة الموارد بفاعلية فبلوغ الاحتياطي أعلى مستوى في تاريخه يأتي في وقت شديد الحساسية عالميا حيث تواجه الانظمة الاقتصادية تحديات كبيرة في الأسواق الدولية مع تداعيات جيوسياسية واقتصادية غير مسبوقة و هو ما يجعل الإنجاز المصري ذا وزن مضاعف على صعيد الثقة الدولية والاستقرار الداخلي.
هذا التطور يعكس نجاح السياسة النقدية في استعادة السيطرة على مؤشرات السوق بعد سنوات من الضغوط المتتالية الناتجة عن جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع أسعار الطاقة عالميا، وخروج رؤوس الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة، فالدولة تبنت نهجا إصلاحيا متدرجا يعتمد على ترشيد الإنفاق وتعظيم مصادر الدخل الدولاري، مع ضبط سوق الصرف وتعزيز الاحتياطي ليكون خط الدفاع الأول في مواجهة أي تقلبات خارجية.
فا ارتفاع حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي الي هذا المستوي التاريخي سيعزز ثقة الشركاء الدوليين في مصر حيث اصبحت قادرة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية، وتأمين احتياجاتها الأساسية من السلع الاستراتيجية، وتمويل الواردات الحيوية دون ضغوط تمويلية كبيرة وهو ما ينعكس مباشرة على استقرار الأسعار وسوق العملة ، كما يعكس ذلك تحسنا ملحوظا في هيكل موارد النقد الأجنبي حيث أصبحت التدفقات مستندة إلى مصادر إنتاجية ومستدامة مثل الصادرات، وإيرادات قناة السويس، وتحويلات المصريين بالخارج، والسياحة، والاستثمار الأجنبي المباشر، بعد أن كانت تعتمد في السابق على التدفقات قصيرة الأجل ، كما ان ارتفاع نسبة الاحتياطي تتزامن أيضا مع تحسن المؤشرات المالية العامة خاصة فيما يتعلق بعجز الموازنة وتوازن ميزان المدفوعات، فضلا عن بدء استعادة ثقة مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية التي بدأت تضع الاقتصاد المصري في مسار مستقر بفضل تحسن إدارة الديون وجدولتها و هذه المؤشرات مجتمعة ترسل إشارة واضحة إلى الأسواق الدولية بأن مصر نجحت في عبور مرحلة “إدارة الأزمة” إلى مرحلة “استعادة التوازن المالي والنقدي”، وهو ما يعزز من جاذبية الاستثمار ويخفف الضغط علي سعر الصرف.
ومن الناحية الاجتماعية، فإن هذا التطور سينعكس تدريجيا على المواطن من خلال استقرار سوق الصرف والأسعار، وتراجع الضغوط التضخمية، وتحسن المناخ الاستثماري الذي يخلق فرص عمل جديدة فعلي الرغم من أن أثر هذه الإصلاحات لا يمكن ان يظهر لحظيا لكنه من المؤكد أن استقرار المؤشرات النقدية هو الأساس لأي نمو مستدام ينعكس على جودة الحياة ومستوى دخل المواطن ولا يمكن قراءة هذا الانجاز بمعزل عن التحولات الهيكلية التي تشهدها السياسة الاقتصادية المصرية حيث أصبحت ترتكز بشكل اساسي على رفع كفاءة الإنتاج والتصدير، وتحفيز القطاع الصناعي، وتحقيق مرونة أكبر في إدارة النقد الأجنبي. فالدولة تتبنى استراتيجية طويلة المدى تقوم على بناء اقتصاد منتج غير معتمد على الاستيراد يحقق اكتفاء ذاتيا و خاصة في القطاعات الاستراتيجية كالطاقة والغذاء والصناعة، وهو ما يفسر هذا التحسن الملحوظ في مؤشرات الاحتياطي رغم التحديات العالمية الغير مسبوقه
في النهاية، يمكن القول إن ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى أعلى مستوى في تاريخه ليس مجرد نجاح مالي بل هو ترجمة عملية لسياسات إصلاح حقيقية أعادت الثقة إلى الاقتصاد المصري فتحسن الاحتياطي لما يكن تحسنا في ارقام فقط بل كان نتيجة انضباط مالي، وإدارة نقدية رشيدة، ووعي بضرورة بناء أسس صلبة للاستقرار بعيدا عن الحلول المؤقته انها لحظة تثبت أن مصر تمضي بخطى ثابتة نحو تعزيز قدرتها على الصمود والمنافسة في عالم يتغير بسرعة ، وأن الاحتياطي النقدي لم يعد مجرد رقم في بيان البنك المركزي بل رمزا لاقتصاد يثبت قدرته على التعافي والثقة في المستقبل.







